· عن الأصمعي عن أبيه قال: أتي عبد الملك بن مروان برجل كان مع بعض من خرج عليه, فقال: اضربوا عنقه.
فقال: يا أمير المؤمنين, ما كان هذا جزائي منك.
قال: وما جزاؤك؟
قال: والله ما خرجت مع فلان الا بالنظر لك, وذلك أني رجل مشؤوم, ما كنت مع رجل قط الا غلب وهزم, وقد بان لك صحة ما ادّعيت, وكنت لك خيرا من مئة ألف معك.
فضحك وخلّى سبيله.
*حدّث القاضي أبو الحسين بن عتبة قال:
كانت لي ابنة عم موسرة تزوّجتها, فلم أوثرها لشيء من جمالها, ولكني كنت أستعين بمالها وأتزوّج سرّا, فاذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيّقت عليّ الى أن أطلّق من تزوجتها, ثم تعود اليّ.
فطال ذلك علي, وتزوجت صبيّة حسناء موافقة لطباعي مساعدة على اختياري, فمكثت معي مدة يسيرة, وسعي بها الى ابنة عمي, فأخذت في المناكدة والتضييق عليّ, فلم يسهل عليّ فراق تلك الصبيّة فقلت لها:
استعيري من كل جارة قطعة من أفخر ثيابها, حتى يتكامل لك خلعة تامّة الجمال, وتبخري بالعنبر, واذهبي الى ابنة عمي فابكي بين يديها, وأكثري من الدعاء لها والتضرّع اليها الى أن تضجريها, فاذا سألتك عن حالك, فقولي لها: "ان ابن عمي قد تزوّجني, وفي كل وقت يتزوّج عليّ واحدة, وينفق مالي عليها, وأريد أن تسألي القاضي معونتي وانصافي منه", فانها سترفعك اليّ.
ففعلت, فلما دخلت عليها واتصل بكاؤها رحمتها, وقالت لها: فالقاضي شرّ من زوجك, وهكذا يفعل بي.
وقامت فدخلت عليّ, وأنا في مجلس لي, وهي غضبى ويد الصبيّة في يدها, فقالت:
هذه المشؤومة حالها مثل حالي, فاسمع مقالها واعتمد انصافها.
فقلت: ادخلا.
فدخلتا جميعا, فقلت لها: ما شأنك؟
فذكرت ما وافقتها عليه, فقلت لها: هل اعترف ابن عمّك بأنه قد تزوّج عليك؟
فقالت: لا, والله, وكيف يعترف بما يعلم لا أني لا أقاره عليه؟
قلت: فشاهدت أنت هذه المرأة ووقفت على مكانها وصورتها؟
فقالت: لا والله.
فقلت: يا هذه اتقي الله ولا تقبلي شيئا سمعته, فان الحسّاد كثير والطلاب كثير لافساد النساء كثيرو الحيل والتكذيب, فهذه زوجتي قد ذكر لها أني قد تزوجت عليها, وكل زوجة لي وراء هذا الباب طالق ثلاثا.
فقامت ابنة عمي فقبّلت رأسي وقالت: قد علمت أنه مكذوب عليك أيها القاضي.
ولم يلزمني حنث لاجتماعها بحضرتي.
· حدثنا الأصمعي قال: أتي المنصور برجل ليعاقبه على شيء بلغه عنه, فقال له:
يا أمير المؤمنين, الانتقام عدل, والتجاوز فضل, ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين.
فعفا عنه.
· أخذ زياد رجلا من الخوارج, فأفلت منه, فأخذ أخا له فقال:
ان جئت بأخيك والا ضربت عنقك.
قال: أرأيت ان جئت بكتاب من أمير المؤمنين, تخلي سبيلي؟
قال: نعم.
قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الرحيم, وأقيم عليه شاهدين: ابراهيم وموسى عليهما السلام:{ أم لم ينبّأ بما في صحف موسى * وابراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى }.
قال زياد: خلوا سبيله, هذا رجل لقن حجته.
· أتى الحجاج برجل ليقتله وبيده لقمة, فقال: والله لا أكلتها حتى أقتلك.
قال: أو خير من ذلك, تطعمنيها ولا تقتلني, فتكون قد بررت في يمينك ومننت علي.
فقال: ادن مني. فأطعمه اياه وخلاه.
· وأتي الحجاج برجل من الخوارج, فأمر بضرب عنقه, فاستنظره يوما, فقال: ما تريد بذلك؟
قال: أأمل عفو الأمير مع ما تجري به المقادير.
فاستحسن قوله وخلاه.
· خرج واصل بن عطاء يريد سفرا في رهط, فاعترضهم جيش من الخوارج, فقال واصل:
لا ينطقن أحد ودعوني معهم.
فقصدهم واصل, فلما قربوا بدأ الخوارج ليوقعوا, فقال:
كيف تستحلون هذا وما تدرون من نحن ولا لأي شيء جئنا؟
فقالوا: نعم. فما أنتم؟
قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله.
فكفوا عنهم, وبدأ رجل منهم يقرأ عليهم القرآن, فلما أمسك قال واصل:
قد سمعنا كلام الله, فأبلغنا مأمننا حتى ننظر فيه, وكيف ندخل في الدين؟
فقال: هذا واجب. سيروا.
فسرنا والخوارج والله معنا يحموننا فراسخ, حتى قربنا الى بلد لا سلطان لهم عليه, فانصرفوا.