· روي أن الحجاج قال لغلام له: تعال نتنكّر وننظر ما لنا عند الناس.
فتنكّرا وخرجا, فمرّا على المطلب غلام أبي لهب, فقالا:
يا هذا, أي شيء على الحجاج؟
قال: على الحجاج لعنة الله.
قالا: فمتى يخرج؟
قال: أخرج الله روحه من بين جنبيه, ما يدريني؟
قال: أتعرفني؟
قال: لا.
قال: أنا الحجاج بن يوسف.
قال المطلب: أتعرفني أنت.
قال: لا.
قال: أنا المطلب غلام أبي لهب, أصرع في كل شهر ثلاثة أيام أولها اليوم, فتركه ومضى.
· وبلغنا أن الحجاج انفرد يوما عن عسكره, فلقي أعرابيا فقال:
يا وجه العرب, كيف الحجاج؟
قال: ظالم غاشم.
قال: فهلا شكوته الى عبد الملك؟
فقال: لعنه الله, وهو أظلم منه وأغشم.
فأحاط به العسكر, فقال: أركبوا البدوي.
فأركبوه, فسأل عنه, فقالوا: هو الحجاج, فركض من الفرس خلفه, وقال: يا حجاج !
قال: ما لك؟
قال: السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد.
فضحك وخلاه.
· كان أبو الحسين بن السمّاك يتكلّم على الناس بجامع المدينة, وكان لا يحسن من العلوم شيئا الا ما شاء الله, وكان مطبوعا يتكلّم على مذهب الصوفية, فكتبت اليه رقعة:" ما يقول السادة الفقهاء في رجل مات وخلف كذا وكذا؟".
ففتحها فتأمّلها فقرأ: ما تقول السادة الفقهاء في رجل مات؟
فلما رآها في الفرائض رماها من يده, وقال: أنا أتكلم على مذاهب قوم اذا ماتوا لم يخلفوا شيئا.
فعجب الحاضرون من حدّة خاطره.
· قال ابن عرّابة المؤدّب:
حكى لي محمد بن عمر الضبي أنه حفُظ ابن المعتز وهو يؤدبه سورة (والنازعات)
وقال له:
اذا سألك أمير المؤمنين أبوك " في أي شيء أنت؟" فقل له: في السورة التي تلي (عبس), ولا تقل أنا في النازعات.
فسأله أبوه: في أي شيء أنت؟
قال: في السورة التي تلي عبس.
فقال: من علّمك هذا؟
قال: مؤدّبي.
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
· قال عبد الواحد بن ناصر المخزومي:
أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة, وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة, قال:
فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة ومعه حمار فاره يركبه, ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر, فقلنا له:
يا هذا انك لا تفكر في خروج الأعراب علينا, فانه لا شيء معنا يؤخذ, وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك.
فقال: يكفينا الله.
ثم سار ولم يقبل منا, وكان اذا نزل يأكل استدعى أكثرنا فأطعمه وسقاه, واذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه, وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه, الى أن بلغنا موضعا, فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب, فتفرّقنا عليهم ومانعناهم.
فقال الشيخ: لا تفعلوا.
فتركناهم, ونزل فجلس وبين يديه سفرته, ففرشها وجلس يأكل, وأظلتنا الخيل, فلما رأوا الطعام دعاهم اليه, فجلسوا يأكلون, ثم حلّ رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب, فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحرّكوا.
فقال لنا: ان الحلو مبنّج, أعدتته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمّت الحيلة. ولكن لا يفك البنج الا أن تصفعوهم, فافعلوا فانهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير.
ففعلوا, فما قدروا على الامتناع, فعلمنا صدق قوله, وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب, ورماحهم على أكتافنا, وسلاحهم علينا, فما نجتاز بقوم الا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجاة منا, حتى بلغنا مأمننا.
· حدثنا أبو محمد عبد الله بن علي المقري قال:
دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا, ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا, وترك عليها ترابا كثيرا ومضى, فلما احتاج الى الذهب كشف عن العشرين, فلم يجدها, فكشف عن الباقي فوجده, فحمد الله على سلامة ماله. وانما فهل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد, وكذلك كان, فانه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين, فأخذها ولم يعتقد أن ثمّ شيئا آخر.