· حدثنا سهل الخلاطي قال:
بلغني أن محتالين سرقا حمارا ومضى أحدهما ليبيعه, فلقيه رجل معه طبق فيه سمك, فقال له:
تبيع هذا الحمار؟
قال: نعم.
قال: أمسك هذا الطبق حتى أركبه, وأنظر اليه.
فدفع اليه طبق السمك, فركبه ورجع ثم ركبه ودخل به زقاقا ففرّ به. فلم يدر أين ذهب. فلقيه رفيقه, فقال: ما فعل الحمار؟
قال: بعناه بما اشتريناه وربحنا هذا الطبق من السمك.
· وقد روينا أن رجلا سرق حمارا فأتى السوق ليبيعه فسرق منه, فعاد الى منزله, فقالت له امرأته: بكم بعته؟
قال: برأس ماله.
· أنبأنا محمد بن أبي طاهر, عن أبي القاسم التنوخي, عن أبيه:
أن رجلا من بني عقيل مضى ليسرق دابة.
قال: فدخلت الحي, فما زلت أتعرّف مكان الدابة فاحتلت حتى دخلت البيت, فجلس الرجل وامرأته يأكلان في الظلمة, فأهويت بيدي الى القصعة وكنت جائعا, فأنكر الرجل يدي وقبض عليها, فقبضت على يد المرأة بيدي الأخرى, فقالت المرأة:
ما لك ويدي؟
فظن أنه قابض عل يد امرأته فخلى يدي, فخليت يدي, فخليت يد المرأة وأكلنا.
ثم أنكرت المرأة يدي فقبضت عليها, فقبضت على يد الرجل, فقال لها:
ما لك ويدي.
فخلت عن يدي, فخليت عن يده, ثم نام وقمت, فأخذت الفرس.
· أنبأنا أبو القاسم التنوخي, عن أبيه: أن رجلا نام في مسجد وتحت رأسه كيس فيه ألف وخمسمئة دينار.
· قال: فما شعرت الا بانسان قد جذبه من تحت رأسي فانتبهت, فاذا شاب قد أخذ الكيس ومرّ يعدو, فقمت لأعدو خلفه, فاذا رجلي مشدودة بخيط قنّب في وتد مضروب في آخر المسجد.
· عن المبرّد قال: حدثني أحمد بن المعدل البصري قال:
كنت جالسا عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون, فجاءه بعض جلسائه فقال:
أعجوبة!
قال: ما هي؟
قال: خرجت الى حائطي بالغابة, فلما أن أصحرت وبعدت عن بيوت المدينة تعرّض لي رجل, فقال:
اخلع ثيابك.
فقلت: وما يدعوني الى خلع ثيابي؟
قال: أنا أولى بها منك.
قلت: ومن أين؟
قال: لأني أخوك وأنا عريان وأنت مكتس.
قلت: فالمواساة؟
قال: كلا. قد لبستها برهة, وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها.
فلت: فتعريني وتبدي عورتي؟
قال: لا بأس بذلك. قد روينا عن مالك أنه قال: " لا بأس للرجل أن يغتسل عريانا".
قلت: فيرون الناس فيرون عورتي؟
قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها.
فقلت: أراك ظريفا, فدعني حتى أمضي الى حائطي وأنزع هذه الثياب, فأوجه بها اليك.
قال: كلا. أردت أن توجه الي أربعة من عبيدك, فيحملوني الى السلطان, فيحبسني ويمزق جلدي, ويطرح في رجليّ القيد.
قلت: كلا. أحلف لك ايمانا أني أوافي لك بما وعدتك ولا أسؤوك.
قال: كلا. روينا عن مالك أنه قال:" لا تلتزم الايمان التي يحلف بها اللصوص".
قلت: فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه.
قال: هذه يمين مركبة على اللصوص.
قلت: فدع المناظرة بيننا, فوالله لأوجهن لك هذه الثياب طيبة بها نفسي.
فأطرق, ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكرت؟
قلت: لا.
قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى وقتنا هذا, فلما أجد لصا أخذ نسيئة, وأكره أن أبتدع في الاسلام يكون عليّ وزرها ووزر من عمل بها بعدي الى يوم القيامة. اخلع ثيابك.
قال: فخلعتها ودفعتها اليه, فأخذها وانصرف.
· حدّث رجل من الدقاقين قال:
أورد علي رجل غريب سفتجة بأجل, فكان يتردد علي الى أن حلّت السفتجة, ثم قال لي:
أدعها عندك آخذها متفرّقة.
فكان يجيء كل يوم, فيأخذ بقدر نفقته, الى أن نفدت. فصارت بيننا معرفة, وألف الجلوس عندي, وكان يراني أخرج من صندوق لي, فأعطيه منه.
فقال لي يوما: ان قفل الرجل صاحبه في سفره, وأمينه في حضره, وخليفته على حفظ ماله, والذي ينفي الظنة على أهله وعياله. وان لم يكن وثيقا تطرقت الحيل اليه, وأرى قفلك هذا وثيقا, فقل لي: ممن ابتعته لأبتاع مثله لنفسي؟
قلت: من فلان الأقفالي.
قال: فما شعلات يوما وقد جئت الى دكاني, فطلبت صندوقي لأخرج منه شيئا من الدراهم, فحمل الي ففتحته, واذا ليس فيه شيء من الدراهم, فقلت لغلامي وكان غير متهم عندي:
هل انكسر من الدراب شيء؟
قال: لا.
قلت: ففتش هل ترى في الدكان نقبا؟
ففتش, فقال: لا.
فقلت: فمن السقف حيلة؟
قال: لا.
قلت: فاعلم أن دراهمي قد ذهبت.
فقلق الغلام, فسكته وأقمت من يومي لا أدري أي شيء أعمل, وتأخر الرجل عني, فاتهمته. وتذكرت مسألته لي عن القفل, فقلت للغلام:
أخبرني كيف تفتح دكاني وتقفله؟
قال: أحمل الدراب من المسجد دفعتين ثلاثة ثلاثة, فأقفلها ثم هكذا أفتحها.
قلت: فعلى من تخلي الدكان اذا حملت الدراب؟
قال: خاليا.
قلت: من ههنا دهيت.
فذهبت الى الصانع الذي ابتعت منه القفل فقلت له: جاءك انسان منذ أيام اشترى منك مثل هذا القفل؟
قال: نعم, رجل من صفته كيت وكيت.
فأعطاني صفة صاحبي, فعلمت أنه احتال على الغلام وقت المساء لما انصرفت أنا وبقي الغلام يحمل الدراب, فدخل هو الى الدكان فاختبأ فيه ومعه مفتاح القفل الذي اشتراه يقع على قفلي, وأنه أخذ الدراهم وجلس طوال الليل خلف الدراب, فلما جاء الغلام ففتح درابين وحملها ليرفعها خرج, وأنه ما فعل ذلك الا وقد خرج من بغداد.
قال: فخرجت ومعي قفلي ومفتاحه, فقلت: أبتدىء بطلب الرجل بواسطة, فلما صعدت من السميرية طلبت خانا أنزله, فصعدت فاذا بقفل مثل قفلي سواء على بيت, فقلت لقيّم الخان:
هذا البيت من ينزله؟
قال: رجل قدم من البصرة أمس.
قلت: ما صفته؟
فوصف صفة صاحبي, فلم أشك أنه هو وأن الدراهم في بيته.
فاكتريت بيتا الى جانبه ورصدت حتى انصرف قيّم الخان, ففتحت القفل, ودخلت, فوجدت كيسي بعينه, فأخذته وخرجت, وأقفلت الباب ونزلت في الوقت, وانحدرت الى البصرة, وما أقمت بواسط الا ساعتين من النهار, ورجعت الى منزلي بمالي بعينه.